فصل: أوّلاً: أجرة القابلة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


فَيء

التّعريف

1 - من معاني الفيء في اللّغة‏:‏ الظّلّ، والجمع أفياء وفيوء، وتفيّأ فيه‏:‏ تظلّل، والفيء‏:‏ ما بعد الزّوال من الظّلّ‏.‏

ومنها‏:‏ الرّجوع، يقال‏:‏ فاء إلى الأمر يفيء وفاءً وفيئاً وفيوءاً‏:‏ رجع إليه، ويقال‏:‏ فئت إلى الأمر فيئاً‏:‏ إذا رجّعت إليه النّظر، وفاء من غضبه‏:‏ رجع‏.‏

ومنها‏:‏ الغنيمة والخراج، وما ردّ اللّه تعالى على أهل دينه من أموال من خالف دينه بلا قتال‏.‏

والفيء في الاصطلاح له معنيان‏:‏

المعنى الأوّل‏:‏ اسم لما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، نحو الأموال المبعوثة بالرّسالة إلى إمام المسلمين، والأموال المأخوذة على موادعة أهل الحرب‏.‏

المعنى الثّاني‏:‏ رجوع الزّوج إلى جماع زوجته الّذي منع نفسه منه باليمين عند القدرة عليه أو الوعد به عند العجز عنه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الغنيمة‏:‏

2 - الغنيمة والمغنم والغنيم والغُنْم بالضّمّ لغةً‏:‏ الفيء، يقال‏:‏ غنم الشّيء غنماً فاز به، وغنم الغازي في الحرب‏:‏ ظفر بمال عدوّه‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ الغنيمة اسم للمأخوذ من أهل الحرب على سبيل القهر والغلبة‏.‏

والصّلة بين الفيء بالمعنى الأوّل والغنيمة‏:‏ أنّ اسم كلّ واحد منهما يقع على الآخر إذا أفرد بالذّكر، فإذا جمع بينهما افترقا كاسمي الفقير والمسكين‏.‏

‏(‏ر‏:‏ غنيمة‏)‏‏.‏

ب - النّفل‏:‏

3 - النّفل بالتّحريك لغةً‏:‏ الغنيمة، والجمع أنفال‏.‏

ومن معانيه في الاصطلاح‏:‏ ما خصّه الإمام لبعض الغزاة تحريضاً لهم على القتال سمّي نفلاً لكونه زيادةً على ما يسهم لهم من الغنيمة‏.‏

والنّفل قد يؤخذ من الفيء أو من الغنيمة أو من بيت المال ويعطى لمن خصّهم الإمام‏.‏ والصّلة بين الفيء بالمعنى الأوّل والنّفل هي البعضيّة‏.‏

ج - السّلب‏:‏

4 - السّلب‏:‏ ما يأخذه أحد القرنين في الحرب من قرنه، ممّا يكون عليه ومعه من ثياب وسلاح ودابّة، وهو بمعنى مفعول أي مسلوب‏.‏

ولا يخرج معناه الاصطلاحيّ عن معناه اللّغويّ‏.‏

والسّلب زيادة على سهم المقاتل ممّا مع القتيل إذا قتله ولا يخمّس، والفيء يؤخذ من غير قتال ويخمّس عند بعض الفقهاء‏.‏

والصّلة بين الفيء بالمعنى الأوّل والسّلب أنّهما جميعاً من المأخوذ من مال الكفّار، إلاّ أنّ الفيء بغير قتال والسّلب بقتال‏.‏

د - الرّضخ‏:‏

5 - الرّضخ لغةً‏:‏ الرّمي بالسّهام، والدّقّ والكسر، ومنه العطيّة القليلة‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ مال موكول تقديره للإمام محلّه الخمس لمن لا يلزمه القتال إلاّ في حالة الضّرورة‏.‏

والصّلة بين الفيء بالمعنى الأوّل والرّضخ أنّهما جميعاً من المأخوذ من مال الكفّار‏.‏

هـ - الصّفيّ‏:‏

6 - الصّفيّ لغةً‏:‏ هو الخالص من كلّ شيء، وما اختاره الرّئيس من المغنم‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ هو الشّيء الّذي يختاره الرّسول صلى الله عليه وسلم من الغنائم كالثّوب والسّيف، وهذا الصّفيّ ليس لأحد غير الرّسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

والصّلة بين الفيء بالمعنى الأوّل والصّفيّ أنّهما جميعهما مأخوذان من مال الكفّار، إلاّ أنّ الصّفيّ خاصّ بالرّسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

و - الظّهار‏:‏

7 - الظّهار هو‏:‏ تشبيه الرّجل زوجته أو جزءاً شائعاً منها أو جزءاً يعبّر به عنها بامرأة محرّمة عليه تحريماً مؤبّداً، أو بجزء منها يحرم عليه النّظر إليه كالظّهر والبطن والفخذ‏.‏ والصّلة بين الفيء بالمعنى الثّاني والظّهار هي أنّ الظّهار مانع من الفيء حتّى يكفّر‏.‏

ز - الإيلاء‏:‏

8 - الإيلاء‏:‏ أن يحلف الزّوج باللّه تعالى أو بصفة من صفاته الّتي يحلف بها ألاّ يقرب زوجته أربعة أشهر أو أكثر‏.‏

والصّلة بين الفيء بالمعنى الثّاني والإيلاء هي الضّدّيّة، وأنّ الفيء في المدّة ينهي حكم الإيلاء‏.‏

ما يتعلّق بالفيء من أحكام

أوّلاً‏:‏ الفيء بالمعنى الأوّل

أ - مشروعيّة الفيء‏:‏

9 - الفيء مشروع بالكتاب والأثر‏.‏

أمّا الكتاب فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏}‏‏.‏

وقوله جلّ شأنه‏:‏ ‏{‏ مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ ‏}‏‏.‏

وأمّا الأثر فما ورد عن عمر رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ «كانت أموال بني النّضير ممّا أفاء اللّه على رسوله صلى الله عليه وسلم وكانت للنّبيّ صلى الله عليه وسلم خاصّةً، فكان ينفق على أهله نفقة سنة وما بقي يجعله في الكراع والسّلاح»‏.‏

ب - موارد الفيء‏:‏

10 - من موارد الفيء‏:‏

أ - ما جلا عنه الكفّار خوفاً من المسلمين من الأراضي والعقارات‏.‏

ب - ما تركه الكفّار وجلوا عنه من المنقولات‏.‏

ج - ما أخذ من الكفّار من خراج أو أجرة عن الأراضي الّتي ملكها المسلمون، ودفعت بالإجارة لمسلم أو ذمّيّ، أو عن الأراضي الّتي أقرّت بأيدي أصحابها من أهل الذّمّة صلحاً أو عنوةً على أنّها لهم، ولنا عليها الخراج‏.‏

د - الجزية‏.‏

هـ - عشور أهل الذّمّة‏.‏

و - ما صولح عليه الحربيّون من مال يؤدّونه إلى المسلمين‏.‏

ز - مال المرتدّ إن قتل أو مات‏.‏

ح - مال الذّمّيّ إن مات ولا وارث له وما فضل من ماله عن وارثه فهو فيء‏.‏

ط - الأراضي المغنومة بالقتال وهي الأراضي الزّراعيّة عند من يرى عدم تقسيمها بين الغانمين‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏بيت المال ف 6‏)‏‏.‏

ج - تخميس الفيء‏:‏

11 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّ في القديم وأحمد في رواية إلى أنّ الفيء لا يخمّس، وإنّما كلّه لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم ومن ذكروا معه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ‏}‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ ‏}‏ فقد جعله اللّه لهم ولم يذكر خمساً ولأنّ الخمس إنّما يجب في الغنائم، والغنيمة اسم للمال المأخوذ عنوةً وقهراً بإيجاف الخيل والرّكاب، ولم يوجد هذا في الفيء لحصوله في أيديهم بغير قتال، فكان مباحاً ملك لا على سبيل القهر والغلبة، فلا يجب فيه الخمس كسائر المباحات، وقال ابن المنذر‏:‏ ولا نحفظ من أحد قبل الشّافعيّ في الفيء الخمس كخمس الغنيمة‏.‏ وكما لو صولحوا على الضّيافة فإنّه لا حقّ لأهل الخمس في مال الضّيافة بل يختصّ به الطّارقون‏.‏

وذهب الشّافعيّ في الجديد والرّواية الصّحيحة عند محمّد من الحنفيّة ورواية عن أحمد إلى أنّ الفيء يخمّس لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ ‏}‏، فظاهر هذا أنّ جميع الفيء لهؤلاء، وهم أهل الخمس‏.‏

ولمّا قرأ عمر رضي الله عنه الآية قال‏:‏ استوعبت هذه الآية النّاس فلم يبق أحد من المسلمين إلا له في هذا المال حقّ، وجاءت الأخبار عن عمر رضي الله عنه دالّةً على اشتراك جميع المسلمين فيه، فوجب الجمع بينهما، كي لا تتناقض الآية والأخبار وتتعارض، وفي إيجاب الخمس فيه جمع بين النّصوص وتوفيق بينها، فإنّ خمسه للّذي سمّي في الآية وسائره ينصرف إلى من في الخبر كالغنيمة، ولأنّه مال مشترك مظهور عليه فوجب أن يخمّس كالغنيمة والرّكاز، ولأنّ الملك عند محمّد من الحنفيّة يثبت بأخذه، وإنّما أخذ على سبيل القهر والغلبة، فكان في حكم الغنائم‏.‏

وروى البراء بن عازب رضي الله عنه قال‏:‏ «لقيت عمّي ومعه راية، فقلت له‏:‏ أين تريد ‏؟‏ قال‏:‏ بعثني رسول اللّه إلى رجل نكح امرأة أبيه، فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله»‏.‏

د - تقسيم خمس الفيء عند من يقول بتخميسه‏:‏

12 - يقسم مال الفيء على خمسة أسهم عند من يقول بتخميسه‏:‏

السّهم الأوّل المضاف إلى اللّه عزّ جلّ وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نفسه وأهله، وما فضل جعله في السّلاح عدّةً في سبيل اللّه تعالى وفي سائر المصالح‏.‏

وأمّا سهم اللّه الّذي أضافه إليه، فهو لافتتاح الكلام باسمه تبرّكاً به، لا لإفراده بسهم، فإنّ للّه تعالى الدّنيا والآخرة‏.‏

وقد روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا بعث سريّةً فغنموا خمّس الغنيمة فضرب ذلك الخمس في خمسه‏.‏‏.‏»‏.‏

السّهم الثّاني‏:‏ لذوي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطّلب دون بني عبد شمس وبني نوفل لأنّ بني هاشم وبني المطّلب لم يفارقوا الرّسول صلى الله عليه وسلم في جاهليّة ولا إسلام، كما قال صلى الله عليه وسلم وشبّك بين أصابعه، ويشترك فيه غنيّهم وفقيرهم وكبيرهم وصغيرهم، ولا يفضّل أحد منهم على أحد إلاّ بالذّكورة، فللذّكر سهمان وللأنثى سهم‏.‏

وقال المزنيّ‏:‏ يسوّى بينهما، وقال القاضي حسين‏:‏ المدلي بجهتين يفضّل على المدلي بجهة‏.‏

السّهم الثّالث‏:‏ لليتامى، واليتيم الصّغير الّذي لا أب له وقيل‏:‏ ولا جدّ له قبل الحلم، فإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا يتم بعد احتلام» ويشترط فيه الفقر‏.‏

السّهم الرّابع‏:‏ المساكين، والمسكين هو الّذي يملك ما يقع موقعاً من كفايته ولا يكفيه، ويدخل فيه الفقير‏.‏

السّهم الخامس‏:‏ ابن السّبيل وهو كلّ من أنشأ سفراً من بلده أو بلد كان مقيماً به ولم يكن معه ما يحتاج إليه في سفره، فيعطى من لا مال له أصلاً، وكذا من له مال في غير البلد المنتقل إليه منه‏.‏

وإذا فقد بعض الأصناف وزّع نصيبه على الباقين كالزّكاة‏.‏

13 - وأمّا أربعة أخماس الفيء فهي للرّسول صلى الله عليه وسلم في حياته‏.‏

هـ - مصرف الفيء وما يخصّ الرّسول بعد وفاته‏:‏

14 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ الفيء وما يخصّ الرّسول صلى الله عليه وسلم من الخمس، سواء أكان خمس الفيء عند من قال به، أم خمس الغنيمة لسقوطه بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، يوضع في بيت مال المسلمين ويصرف في مصالحهم العامّة‏.‏ وذكر أحمد الفيء فقال‏:‏ فيه حقّ لكلّ المسلمين الغنيّ والفقير، وقال عمر رضي الله عنه‏:‏ فلم يبق أحد من المسلمين إلاّ له في هذا المال حقّ‏.‏

وعند أبي يعلى أنّ مال الفيء موقوف على اجتهاد الأئمّة، وذكر القاضي أنّ أهل الفيء هم أهل الجهاد ومن يقوم بمصالحهم، لأنّ ذلك كان للنّبيّ صلى الله عليه وسلم في حياته لحصول النّصرة والمصلحة به، فلمّا مات صارت بالخيل والجند ومن يحتاج إليه المسلمون، فيكون لهم دون غيرهم، لأنّ الفرق بين رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وبين الأئمّة في المال المبعوث إليهم من أهل الحرب، أنّه يكون لعامّة المسلمين وكان لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم خاصّةً أنّ الإمام إنّما أشرك قومه في المال المبعوث إليه من أهل الحرب لأنّ هيبته بسبب قومه، فكانت شركةً بينهم، وأمّا هيبة الرّسول صلى الله عليه وسلم فكانت بما نصر من الرّعب لا بأصحابه، كما قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «نصرت بالرّعب مسيرة شهر» لذلك كان له أن يختصّ به لنفسه‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيت المال ف 12 - 13 - 14‏)‏‏.‏

15 - وذهب الشّافعيّة إلى أنّ ما كان من الفيء لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم في حياته يصرف بعده صلى الله عليه وسلم على الوجه التّالي‏:‏

أ - خمس خمس الفيء يصرف في مصالح المسلمين كسدّ الثّغور وعمارة الحصون والقناطر والمساجد وأرزاق القضاة والأئمّة ويقدّم الأهمّ فالأهمّ‏.‏

ب - أربعة أخماس الفيء تصرف في الأظهر عندهم للمرتزقة المرصدين للجهاد‏.‏

والقول الثّاني أنّها للمصالح والثّالث أنّها تقسم كما يقسم الخمس‏.‏

ثانياً‏:‏ الفيء بالمعنى الثّاني

16 - وأمّا الفيء بالمعنى الثّاني وهو رجوع الزّوج إلى جماع زوجته الّذي منع نفسه منه باليمين عند القدرة عليه أو الوعد به عند العجز عنه، فقد أجمع الفقهاء على أنّ المراد بالفيء في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏}‏ هو الجماع، وسمّي الجماع من المولي فيئةً، لأنّه رجع إلى فعل ما تركه‏.‏

وقد حدّد القرآن الكريم ذلك بأربعة أشهر فإن وطئ قبل انتهاء المدّة انحلّ الإيلاء ولزمه جزاء يمينه، فإن كانت باللّه لزمته كفّارة يمين، وإن كان طلاقاً وقع، وإن كان عتقاً لزمه‏.‏

وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏إيلاء ف 20 وما بعدها‏)‏‏.‏

فَيْئَة

انظر‏:‏ إيلاء‏.‏

فِيل

انظر‏:‏ أطعمة‏.‏

قائد

التّعريف

1 - القائد في اللّغة‏:‏ نقيض السّائق، وقاد الرّجل الفرس قوداً من باب قال، وقياداً بالكسر وقيادةً، والقود‏:‏ أن يكون الشّخص أمام الدّابّة آخذاً بقيادها أو مقودها، ويقال‏:‏ قاد الجيش أي‏:‏ رأسه ودبّر أمره، والقائد‏:‏ من يقود الجيش، وجمعه‏:‏ قادة وقوّاد، والمصدر القيادة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

السّائق‏:‏

2 - السّوق في اللّغة‏:‏ أن يكون الشّخص خلف الدّابّة، يقال‏:‏ سقت الدّابّة أسوقها سوقاً، وسوق الإبل‏:‏ جلبها وطردها، ومنه قولهم‏:‏ ساق الصّداق إلى امرأته أي حمله إليها‏.‏ ومنه قوله تعالى في التّنزيل‏:‏ ‏{‏ وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ‏}‏، والجمع ساقة‏.‏ والصّلة بين القائد والسّائق أنّ كلاً منهما يتوجّه بالشّيء إلى الأمام، إلاّ أنّ القائد يكون في الأمام والسّائق في الخلف‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالقائد

أوّلاً‏:‏ قائد الجيش

أ - حكم توليته وصفاته‏:‏

3 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب على الإمام أن يولّي على الجيش قائداً، وأن يكون هذا القائد رجلاً ثقةً في دينه، معافىً في بدنه شجاعاً في نفسه يثبت عند الهرب، ويتقدّم عند الطّلب، حسن الإنابة، ذا رأي في السّياسة والتّدبير، ليسوس الجيش على اتّفاق الكلمة في الطّاعة، وتدبير الحرب في انتهاز الفرص، وأن يكون من أهل الاجتهاد في أحكام الجهاد، ومكائد الحرب، وإدارة المعارك، وأن يكون عادلاً في تعامله مع جميع أفراد الجيش، لا يمالئ من ناسبه، أو وافق رأيه أو مذهبه على من باينه في نسب، أو خالفه في رأي، أو مذهب، فيظهر من أحوال المباينة ما تتفرّق به الكلمة الجامعة تشاغلاً بالتّقاطع والاختلاف‏.‏

ب - مهامّه‏:‏

4 - ما يسند إلى قائد الجيش من الأعمال مفوّض إلى الإمام، فإن فوّض إليه جميع ما يتعلّق بأمور الجهاد من سياسة الجيش، وتسييره وتدبير الحرب، وتقسيم الغنائم وعقد الصّلح، وإعلان الهدنة، وبعث السّرايا والطّلائع، وعقد الرّايات، وفكّ أسرى المسلمين وغير ذلك من شئون الجهاد والحرب فله أن يتولّى ذلك‏.‏

وإن قصر تفويضه بسياسة الجيش وتسييره اقتصر عمله على ذلك، فيتولّى تسيير الطّلائع، وإرسال الجواسيس لنقل أخبار الكفّار إلينا، كما يتولّى بعث السّرايا، وعقد الرّايات وتعيين الأمراء عليهم، وأخذ البيعة لهم بالثّبات على الجهاد، وعدم الفرار والطّاعة‏.‏

كما أنّ من حقّ القائد أن يصدر أوامره إلى جيشه، وعلى جميع الجنود طاعة أوامره في المنشط والمكره، إلاّ ما كان في معصية، فلا سمع ولا طاعة، لحديث‏:‏ «لا طاعة في معصية اللّه»‏.‏

ج - آدابه‏:‏

5 - ذكر الفقهاء آداباً كثيرةً ينبغي أن يتحلّى بها قائد الجيش نلخّصها فيما يأتي‏:‏

أ - الرّفق بالجنود في السّير الّذي يقدر عليه أضعفهم ويحفظ به قوّة أقواهم، ولا يجدّ في السّير فيهلك الضّعيف، ويستفرغ جلد القويّ، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ هذا الدّين متين فأوغل فيه برفق، فإنّ المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى»‏.‏

لكن إن دعت الحاجة إلى الجدّ في السّير جاز له، فإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جدّ في السّير جدّاً شديداً حين بلغه قول عبد اللّه بن أبيّ‏:‏ ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، ليشغل النّاس عن الخوض في كلام ابن أبيّ‏.‏

ب - أن يتفقّد أحوالهم وأحوال ما يمتطونه من دوابّ ومركبات، فيخرج منها ما لا يقدر على السّير، ويمنع من يحمل عليها ما يزيد عن طاقتها، كما يمنع ما يظهر الجيش الإسلاميّ بمظهر الضّعف والوهن، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ‏}‏‏.‏

ج - أن يراعي أحوال من معه من المقاتلة، وهم صنفان‏:‏

‏"‏ أ ‏"‏ - أصحاب الدّيوان من أهل الفيء والجهاد - الجنود النّظاميّون - الّذين يفرض لهم العطاء من بيت المال‏.‏

‏"‏ ب ‏"‏ - المتطوّعة، وهم الخارجون عن الدّيوان من أهل البوادي والأعراب وسكّان القرى والأمصار الّذين خرجوا في النّفير العامّ، اتّباعاً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ‏}‏‏.‏

د - أن يعرّف على الجنود العرفاء، وينقّب عليهم النّقباء، ليعرف من عرفائهم ونقبائهم أحوالهم، ويقربون عليه إذا دعاهم، لفعله صلى الله عليه وسلم في مغازيه‏.‏

هـ - أن يجعل لكلّ طائفة من الجيش شعاراً يتداعون إليه، ليصيروا متميّزين به، وبالاجتماع فيه متظافرين، لما روى عروة بن الزّبير رضي الله عنهما عن أبيه‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جعل شعار المهاجرين - يوم بدر - يا بني عبد الرّحمن، وشعار الخزرج يا بني عبد اللّه، وشعار الأوس يا بني عبيد اللّه، وسمّى خيله خيل اللّه»‏.‏

و - أن يتصفّح الجيش ومن فيه ليخرج منهم من كان فيه تخذيل للمسلمين، وإرجاف للمجاهدين، أو عيناً عليهم للمشركين‏.‏

ز - أن يحرس جنوده من غرّة وخدعة يظفر بها العدوّ، وذلك بأن يتتبّع المكامن فيحفظها عليهم، ويحوّط أسوارهم بحرس يأمنون به على أنفسهم ورحالهم، ليسكنوا في وقت الدّعة، ويأمنوا ما وراءهم في وقت المحاربة‏.‏

ح - أن يتخيّر لجنوده المنازل لمحاربة عدوّهم ليكون أعون لهم على المنازلة‏.‏

ط - أن يعدّ ما يحتاج إليه الجيش من زاد وعلف، ووقود وغير ذلك ممّا يحتاجون إليه ليوزّع عليهم في أوقات الحاجة حتّى تسكن نفوسهم إلى ما يستغنون به عن الطّلب، ليكونوا على الحرب أوفر، وعلى منازلة العدوّ أقدر‏.‏

ي - أن يعرف أخبار عدوّه حتّى يقف عليهم ويتصفّح أحوالهم، فيأمن مكرهم، ويلتمس الغرّة في الهجوم عليهم‏.‏

ك - أن يرتّب الجيش في مصافّ الحرب، وأن يعوّل من كلّ جهة على من يراه كفئاً لها، ويراعي كلّ جهة يميل العدوّ عليها بمدد يكون عوناً لها‏.‏

ل - أن يقوّي نفوسهم بما يشعرهم الظّفر، ويخيّل لهم من أسباب النّصر ليقلّ العدوّ في أعينهم، فيكونوا عليه أجرأ، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ ‏}‏‏.‏

ن - أن يعد أهل الصّبر والبلاء منهم بثواب في الآخرة، والنّفل من الغنيمة في الدّنيا، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ‏}‏‏.‏

س - أن يشاور ذوي الرّأي من الجيش فيما أعضل من الأمور، ويرجع إلى أهل الحزم فيما أشكل عليه، ليأمن من الخطأ، ويسلم من الزّلل، فيكون من الظّفر أقرب، لقوله تعالى لنبيّه‏:‏ ‏{‏ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ‏}‏، فقد أمره بالمشاورة مع ما أمدّه من التّوفيق وأعانه من التّأييد ليقتدي به الآخرون‏.‏

ع - أن يأخذ جيشه بما أوجبه اللّه تعالى من حقوقه حتّى لا يكون بينهم تجوّز في الدّين‏.‏ ف - أن لا يمكّن أحداً من جيشه أن يتشاغل بتجارة، أو زراعة يصرفه الاهتمام بها عن مصابرة العدوّ‏.‏

ص - أن يدخل دار الحرب بنفسه لأنّه أحوط وأرهب، وليكون قدوةً لجنوده‏.‏

ق - أن يكثر من الدّعاء عند التقاء الصّفّين، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ساعتان تفتح فيهما أبواب السّماء‏:‏ عند حضور الصّلاة، وعند الصّفّ في سبيل اللّه»‏.‏

ر - أن يستنصر بضعفاء المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «هل تنصرون وترزقون إلاّ بضعفائكم»‏.‏

ش - أن يكبّر - أثناء لقاء العدوّ - بلا إسراف في رفع الصّوت‏.‏

ت - أن يخرج بهم يوم الخميس أوّل النّهار إن أمكن لأنّه صلى الله عليه وسلم كان يحبّ أن يخرج يوم الخميس‏.‏

ض - أن يعرض الإسلام على الكفّار قبل بدء القتال معهم إن علم أنّ الدّعوة لم تبلغهم، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا بعث معاذاً إلى اليمن‏:‏ «ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّي رسول اللّه»‏.‏

ثانياً‏:‏ قائد الدّابّة

6 - الأصل في جناية الدّابّة أنّها هدر، إلاّ أنّ الفقهاء ذكروا أنّ قائد الدّابّة وراكبها وسائقها إذا حصل منه تقصير أو تعدّ في استعمالها، ونتج عن ذلك جناية أو إتلاف، كان الضّمان عليهم بالتّسبيب، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أوقف دابّةً في سبيل من سبل المسلمين أو في أسواقهم، فأوطأت بيد أو رجل فهو ضامن»‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏ضمان ف 104 وما بعدها‏)‏‏.‏

قائف

انظر‏:‏ قيافة‏.‏

قَابِلَة

التّعريف

1 - القابلة في اللّغة هي‏:‏ المرأة الّتي تتلقّى الولد عند الولادة، وجمعها قوابل، والقابلة أيضاً‏:‏ اللّيلة المقبلة‏.‏

والقَبَل‏:‏ لطف القابلة لإخراج الولد من بطن أمّه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الطّبيب‏:‏

2 - الطّبيب هو‏:‏ من حرفته الطّبّ أي الّذي يعالج المرضى‏.‏

والطّبّ في اللّغة‏:‏ الحذق والمهارة وحسن الاحتيال والسّحر والدّأب والعادة وعلاج الجسم والنّفس، وطبّه يطبّه طبّاً من باب قتل‏:‏ داواه‏.‏

والاسم‏:‏ الطِّبّ‏:‏ بالكسر والنّسبة إليه طبّيّ على لفظه‏.‏

والطّبيب قد يقوم بعمل القابلة ويزيد في فروع أخرى من الطّبّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالقابلة

يتعلّق بالقابلة وعملها أحكام فقهيّة، منها‏:‏

أوّلاً‏:‏ أجرة القابلة

3 - اختلف الفقهاء فيمن تجب عليه أجرة القابلة هل هي على الزّوج أم على الزّوجة ‏؟‏ فقال الحنفيّة‏:‏ أجرة القابلة على من استأجرها من الزّوج والزّوجة، فإن جاءت بغير استئجار - من أحدهما - فيحتمل عندهم أن تكون أجرتها على الزّوج، لأنّها مؤنة من مؤن الجماع، ويحتمل أن تكون على الزّوجة كأجرة الطّبيب‏.‏

وعند المالكيّة ثلاثة أقوال‏:‏

أحدها أنّ أجرة القابلة على الزّوج، كما أنّ عليه أن يقوم بجميع مصالح زوجته عند ولادتها، سواء أكانت في عصمته أم كانت مطلّقةً، لأنّ ذلك من مؤن الجماع، ولأنّه لمنفعة ولده، إلاّ أن تكون أمةً مطلّقةً فيسقط ذلك عنه، لأنّ ولدها رقيق لسيّدها، وليس عليه أن ينفق على عبد سيّدها وإن كان ولده‏.‏

والثّاني‏:‏ أنّ أجرة القابلة على الزّوجة‏.‏

والثّالث‏:‏ أنّ أجرة القابلة على الزّوج إن كانت المنفعة للولد‏.‏

وقال ابن القاسم، إن كان عمل القابلة يستغني عنه النّساء فهو على المرأة، وإن كان لا يستغني عنه النّساء فهو على الزّوج، وإن كانا ينتفعان به جميعاً فهو عليهما جميعاً على قدر منفعة كلّ واحد في ذلك‏.‏

وأمّا أجرة الطّبيب فعلى الزّوجة بالاتّفاق عندهم‏.‏

والأشبه عند الشّافعيّة أنّ نفقة القابلة على الزّوج، لأنّهم أوجبوا عليه كلّ ما ترتّب على سبب تسبّب هو فيه، كثمن ماء غسل الجماع والنّفاس، ونحوهما من مؤن الجماع فيجب على الزّوج توفيره لها‏.‏

ثانياً‏:‏ نظر القابلة إلى العورة

4 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجوز للقابلة أن تنظر إلى عورة من تتولّى ولادتها، كما يجوز لها أن تباشر هذه العورة بالمسّ، للحاجة الملجئة إلى ذلك‏.‏

وقال أحمد‏:‏ لا تنظر اليهوديّة أو النّصرانيّة إلى فرج المسلمة ولا تقبلها حين تلد‏.‏

ثالثاً‏:‏ شهادة القابلة

5 - اتّفق الفقهاء على أنّه تقبل شهادة القوابل فيما لا يطّلع عليه إلاّ النّساء لقول الزّهريّ رضي الله تعالى عنه‏:‏ مضت السّنّة في أن تجوز شهادة النّساء ليس معهنّ رجل، فيما يلين من ولادة المرأة، واستهلال الجنين، وفي غير ذلك من أمر النّساء الّذي لا يطّلع عليه ولا يليه إلاّ هنّ، فإذا شهدت المرأة المسلمة الّتي تقبل النّساء فما فوق المرأة الواحدة في استهلال الجنين جازت‏.‏

فإذا أنكر الزّوج أو الورثة وقوع الولادة، أو وجود الحمل أو الاستهلال، وشهدت القابلة على ذلك قبلت شهادتها، فيثبت نسب المولود ويشترك في الإرث مع بقيّة الورثة، وكذا إذا ادّعت المطلّقة أنّها حامل وعرض عليها القوابل، فذكرن أنّها حامل، قبلت شهادتهنّ، ولزم على مطلّقها النّفقة عليها، سواء أكان الطّلاق بائناً أم رجعيّاً، لأنّ هذا من الأمور الّتي لا يطّلع عليها الرّجال غالباً‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة وكذا أبو حنيفة في حالة عدم قيام الزّوجيّة إلى أنّه لا تقبل شهادة القابلة الواحدة، ولا يثبت بشهادة امرأة واحدة حقّ من الحقوق، سواء كان ماليّاً أو غير ماليّ، لعدم ورود ذلك، ولأنّ هذا لا يقبل فيه شهادة رجل واحد وهو أقوى، فإذا لم يثبت بالأقوى فلا يثبت بما دونه من باب أولى‏.‏

ويرى الحنابلة وأبو يوسف ومحمّد صاحبا أبي حنيفة أنّه يكتفى في ذلك بقول امرأة واحدة بشرط أن تكون من أهل الخبرة والعدالة، لأنّ هذا موضوع يقبل فيه شهادة النّساء منفردات، فلا يشترط فيه العدد، كشهادة المرأة في الرّضاع، ولما رواه حذيفة رضي الله عنه من‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة»‏.‏

ووافق أبو حنيفة صاحبيه ومن معهما في قبول قول القابلة الواحدة إذا كان النّكاح مازال قائماً وجحد الزّوج الولادة فشهدت بوقوعها، لتأييدها بقيام الفراش، ويثبت بذلك نسب الولد بشرط أن يولد لستّة أشهر فصاعداً، ولأنّ النّسب يحتاط له ما لا يحتاط لغيره‏.‏

قاتل

انظر‏:‏ قتل‏.‏

قاذف

انظر‏:‏ قذف‏.‏

قاسم

انظر‏:‏ قسمة‏.‏

قاصر

انظر‏:‏ صغر‏.‏

قاضي

انظر‏:‏ قضاء‏.‏

قافة

انظر‏:‏ قيافة‏.‏

قَبَالَة

التّعريف

1 - القَبالة بالفتح‏:‏ الكفالة وهي مصدر قَبَل فلاناً‏:‏ إذا كفله ويقال‏:‏ قبُل بالضّمّ إذا صار قبيلاً‏:‏ أي كفيلاً، وتطلق القبالة على الصّكّ الّذي يكتب فيه الدّين، ونحوه‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ أن يدفع السّلطان أو نائبه صقعاً أو بلدةً أو قريةً إلى رجل مدّة سنة مقاطعةً بمال معلوم يؤدّيه إليه عن خراج أرضها، وجزية رءوس أهلها إن كانوا أهل ذمّة، ويكتب له بذلك كتاباً‏.‏

وعرّفه ابن الأثير بأنّه‏:‏ أن يتقبّل بخراج أو جباية أكثر ممّا أعطى‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الإقطاع‏:‏

2 - الإقطاع من قطع له، وأقطع له، واستقطعه‏:‏ سأله أن يقطع له فقطع‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ يطلق الإقطاع على ما يقطعه الإمام - أي يعطيه - من الأراضي رقبةً، أو منفعةً لمن ينتفع به‏.‏

والصّلة بين الإقطاع والقبالة أنّ الإقطاع أعمّ من القبالة، لأنّ الإقطاع قد يكون ببدل أو من غير بدل، أمّا القبالة فلا تكون إلاّ ببدل‏.‏

الحكم الإجماليّ

3 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ القبالة غير مشروعة وباطلة شرعاً، لأنّ العامل مؤتمن يستوفي ما وجب، ويؤدّي ما حصّل، فهو كالوكيل الّذي إذا أدّى الأمانة لم يضمن نقصاناً، ولم يملك زيادةً، وضمان الأموال بقدر معلوم يقتضي الاقتصار عليه في تملّك ما زاد، وغرم ما نقص، وهذا مناف لوضع العمالة وحكم الأمانة فبطل، ولما يترتّب عليه من عسف أهل الخراج، والحمل عليهم ما لا يجب عليهم، وظلمهم، وأخذهم بما يجحف بهم، لأنّ المتقبّل لا يبالي ما يصيب أهل الخراج‏.‏

جاء في الرّسالة الّتي كتبها أبو يوسف إلى الخليفة الرّشيد‏:‏ رأيت أن لا تقبل شيئاً من السّواد ولا غير السّواد من البلدان، فإنّ المتقبّل - إذا كان في قبالته فضل عن الخراج - عسف أهل الخراج، وحمل عليهم ما لا يجب عليهم، وظلمهم، وأخذهم بما يجحف بهم، ليسلم ممّا يدخل فيه، وفي ذلك وأمثاله خراب البلاد، وهلاك الرّعيّة، والمتقبّل لا يبالي بهلاكهم لصلاح أمره، ولعلّه أن يستفضل بعد ما يتقبّل به فضلاً كبيراً، ولا يمكنه ذلك إلاّ بشدّة منه على الرّعيّة، وضرب لهم شديد، وإقامته لهم في الشّمس، وتعليق الحجارة في الأعناق، وعذاب عظيم ينال أهل الخراج منه، وهذا ما لا يحلّ، ولا يصلح، ولا يسع، والحمل على أهل الخراج بما لا يجب عليهم من الفساد الّذي نهى اللّه عنه، وإنّما أمر اللّه عزّ وجلّ أن يؤخذ منهم العفو، ولا يحلّ أن يكلّفوا فوق طاقتهم، وإنّما أكره القبالة لأنّي لا آمن أن يحمّل هذا المتقبّل على أهل الخراج ما ليس بواجب عليهم، فيعاملهم بما وصفت لك، فيضرّ ذلك بهم، فيخرّبوا ما عمّروا ويدعوه، فينكسر الخراج، فليس يبقى على الفساد شيء، ولن يقلّ مع الصّلاح شيء، إنّ اللّه قد نهى عن الفساد، قال اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ‏}‏‏.‏

واستدلّوا بآثار من الصّحابة أيضاً، فعن عبد الرّحمن بن زياد‏:‏ قال‏:‏ قلت لابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ إنّا نتقبّل الأرض فنصيب من ثمارها - يعني الفضل - قال‏:‏ ذلك الرّبا العجلان، وروي أنّ رجلاً جاء إلى ابن عبّاس رضي الله عنهما فقال‏:‏ أتقبّل منك الأيلة بمائة ألف، فضربه مائةً وصلبه حيّاً‏.‏

وروى أبو هلال عن ابن عبّاس رضي الله عنهما‏:‏ أنّه قال‏:‏ القبالات حرام، وعن ابن عمر‏:‏ إنّها رباً‏.‏

قَبْر

التّعريف

1 - القبر‏:‏ مدفن الإنسان، يقال قبره يقْبِره ويقْبُره قبراً ومقبراً‏:‏ دفنه، وأقبره‏:‏ جعل له قبراً، والمقْبَُرة بفتح الباء وضمّها‏:‏ موضع القبور أي موضع دفن الموتى‏.‏

والقابر‏:‏ الدّافن بيده‏.‏

ما يتعلّق بالقبر من أحكام

أ - احترام القبر‏:‏

2 - القبر محترم شرعاً توقيراً للميّت، ومن ثمّ اتّفق الفقهاء على كراهة وطء القبر والمشي عليه، لما ثبت أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «نهى أن توطأ القبور»‏.‏

لكنّ المالكيّة خصّوا الكراهة بما إذا كان مسنّماً، كما استثنى الشّافعيّة والحنابلة وطء القبر للحاجة من الكراهة كما إذا كان لا يصل إلى قبر ميّته إلاّ بوطء قبر آخر‏.‏

3 - وذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى كراهة الجلوس على القبر، لما روى أبو مرثد الغنويّ رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا تجلسوا على القبور ولا تصلّوا إليها»، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر»‏.‏

وذهب المالكيّة إلى جواز الجلوس على القبر‏.‏

ونصّ الشّافعيّة والحنابلة على كراهة الاتّكاء على القبر، لما روي عن عمارة بن حزم قال‏:‏ «رآني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جالساً على قبر فقال‏:‏ يا صاحب القبر، انزل من على القبر لا تؤذ صاحب القبر ولا يؤذيك»، وكذا يكره عند الشّافعيّة الاستناد إليه‏.‏

4 - واتّفق الفقهاء على حرمة التّخلّي على القبور، لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال‏:‏ قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لأن أمشي على جمرة أو سيف، أو أخصف نعلي برجلي، أحبّ إليّ من أن أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السّوق»، وزاد الحنابلة حرمة التّخلّي بينها‏.‏

وصرّح الحنفيّة بكراهة النّوم عند القبر‏.‏

ب - كيفيّة حفر القبر‏:‏

أقلّ ما يجزئ في القبر وأكمله‏:‏

5 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ أقلّ ما يجزئ في القبر حفرة تكتم رائحة الميّت وتحرسه عن السّباع لعسر نبش مثلها غالباً‏.‏

قال البهوتيّ‏:‏ لأنّه لم يرد فيه تقدير، فيرجع فيه إلى ما يحصل به المقصود‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ الأدنى أن يعمّق نصف القامة‏.‏

أمّا الأكمل‏:‏ فذهب الشّافعيّة والأكثر من الحنابلة إلى أنّه يستحبّ توسيع القبر وتعميقه قدر قامة وبسطة، والمراد قامة رجل معتدل يقوم ويبسط يده مرفوعةً، فقد أوصى عمر رضي الله عنه أن يعمّق قبره قامةً وبسطةً‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لا حدّ لأكثره لكن يندب عدم عمقه‏.‏

وروي عن عمر بن عبد العزيز أنّه قال‏:‏ لا تعمّقوا قبري فإنّ خير الأرض أعلاها وشرّها أسفلها‏.‏

وذهب الحنابلة على الصّحيح من المذهب إلى أنّه يسنّ تعميق القبر وتوسيعه بلا حدّ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد‏:‏ «احفروا وأعمقوا وأحسنوا»، ولأنّ تعميق القبر أنفى لظهور الرّائحة الّتي تستضرّ بها الأحياء، وأبعد لقدرة الوحش على نبشه وآكد لستر الميّت‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ الأحسن أن يكون مقدار قامة، وطوله على طول قدر الميّت، وعرضه على قدر نصف طوله‏.‏

اللّحد والشّقّ‏:‏

6 - اتّفق الفقهاء على أنّ صفة اللّحد هي أن يحفر في أسفل حائط القبر الّذي من جهة القبلة مقدار ما يسع الميّت ويجعل ذلك كالبيت المسقوف‏.‏

وأمّا صفة الشّقّ، فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يحفر في وسط القبر حفيرة يوضع الميّت فيها ويبنى جانباها باللّبن أو غيره ويسقف عليها‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ الشّقّ هو أن يحفر في أسفل القبر أضيق من أعلاه بقدر ما يسع الميّت ثمّ يغطّى فم الشّقّ‏.‏

واتّفق الفقهاء على أنّ اللّحد أفضل من الشّقّ من حيث الجملة، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اللّحد لنا والشّقّ لغيرنا»‏.‏

وعن سعد بن أبي وقّاص أنّه قال في مرض موته‏:‏ «ألحدوا لي لحداً وانصبوا عليّ اللّبن نصباً كما صنع برسول اللّه صلى الله عليه وسلم»‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ فإن كانت الأرض رخوةً فلا بأس بالشّقّ‏.‏

وقال المالكيّة والشّافعيّة بأفضليّة الشّقّ في الأرض غير الصّلبة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن كانت الأرض رخوةً لا يثبت فيها اللّحد شقّ للحاجة، وإن أمكن أن يجعل فيها اللّحد من الجنادل واللّبن والحجارة جعل ولم يعدل إلى الشّقّ‏.‏

اتّخاذ التّابوت في الدّفن

7 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يكره الدّفن في التّابوت إلاّ عند الحاجة، وفرّق الحنفيّة بين الرّجل والمرأة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏دفن ف 11‏)‏‏.‏

ج - كيفيّة إدخال الميّت القبر ووضعه فيه‏:‏

8 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه يستحبّ أن يدخل الميّت من قبل القبلة بأن يوضع من جهتها‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ إنّه لا بأس أن يدخل الميّت في قبره من أيّ ناحية كان والقبلة أولى‏.‏

ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّه يستحبّ أن يوضع الميّت عند آخر القبر ثمّ يسلّ من قبل رأسه منحدراً‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏دفن ف 8‏)‏‏.‏

د - تغطية القبر حين الدّفن‏:‏

9 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يستحبّ تغطية قبر المرأة حين الدّفن، واختلفوا في تغطية قبر الرّجل‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏دفن ف 10‏)‏‏.‏

هـ - الجلوس عند القبر بعد الدّفن‏:‏

10 - قال الطّحاويّ‏:‏ يستحبّ لمن دفن الميّت الجلوس عند قبره بقدر ما ينحر جزور ويقسم لحمه‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏جنائز ف 45‏)‏‏.‏

و - دفن أكثر من ميّت في القبر‏:‏

11 - الأصل أنّه لا يدفن أكثر من ميّت في القبر الواحد لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يدفن كلّ ميّت في قبر، وعلى هذا استمرّ فعل الصّحابة ومن بعدهم، إلاّ للضّرورة لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم أحد‏:‏ «ادفنوا الاثنين والثّلاثة في قبر واحد»‏.‏

واختلف الفقهاء في حكم دفن أكثر من ميّت في القبر لغير الضّرورة‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة وبعض الشّافعيّة إلى الكراهة‏.‏

وذهب الحنابلة وبعض الشّافعيّة إلى الحرمة‏.‏

قال القليوبيّ‏:‏ الكراهة هو ما مشى عليه شيخ الإسلام وغيره واعتمده بعض شيوخنا، واعتمد شيخنا الزّياديّ وشيخنا الرّمليّ أنّه حرام ولو مع اتّحاد الجنس أو المحرميّة أو الصّغر، ولو دفن لم ينبش‏.‏

وقد سبق كيفيّة وضعهم في القبر الواحد في مصطلح‏:‏ ‏(‏دفن ف 14‏)‏‏.‏

ز - تسنيم القبر وتسطيحه‏:‏

12 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ تسنيم القبر - أي جعل التّراب مرتفعاً عليه كسنام الجمل - مندوب، لما ورد عن سفيان التّمّار‏:‏ «أنّه رأى قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم مسنّماً»‏.‏

قال المالكيّة والحنابلة‏:‏ يرفع قدر شبر‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ قدر شبر أو أكثر شيئاً قليلاً‏.‏

وقال البهوتيّ‏:‏ ليعرف أنّه قبر فيتوقّى، ويترحّم على صاحبه، وقد روي عن جابر‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض قدر شبر»، وعن القاسم بن محمّد قال‏:‏ دخلت على عائشة فقلت‏:‏ يا أمّاه، اكشفي لي عن قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما، فكشفت لي عن ثلاثة قبور، لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ وإن زيد على التّسنيم أي من حيث كثرة التّراب بحيث يكون جرماً مسنّماً عظيماً فلا بأس به‏.‏

وصرّح الحنابلة بكراهة رفعه فوق شبر لحديث أبي الهيّاج الأسديّ قال‏:‏ قال لي عليّ بن أبي طالب‏:‏ «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ أن لا تدع تمثالاً إلاّ طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلاّ سوّيته»‏.‏

قالوا‏:‏ والمشرف ما رفع كثيراً، بدليل ما سبق عن القاسم بن محمّد ‏"‏ لا مشرفة ولا لاطئة ‏"‏ وعند المالكيّة قول ضعيف بكراهة التّسنيم وندب التّسطيح، أي يجعل عليه سطح كالمصطبة ولكن لا يسوّى ذلك السّطح بالأرض بل يرفع كشبر، وقيل يرفع قليلاً بقدر ما يعرف‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّ تسطيح القبر أفضل من تسنيمه‏.‏

13 - ونصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه إذا مات المسلم في بلاد الكفّار فلا يرفع قبره بل يخفى لئلاّ يتعرّضوا له‏.‏

قال البهوتيّ‏:‏ تسوية قبر المسلم بالأرض وإخفاؤه بدار الحرب أولى من إظهاره وتسنيمه، خوفاً من أن ينبش فيمثّل به‏.‏

ح - تطيين القبر وتجصيصه والبناء عليه‏:‏

14 - صرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بأنّه يسنّ أن يرشّ على القبر بعد الدّفن ماء، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بقبر سعد بن معاذ، وأمر به في قبر عثمان بن مظعون‏.‏

وزاد الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ أن يوضع عليه حصىً صغار، لما روى جعفر بن محمّد عن أبيه‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم رشّ على قبر ابنه إبراهيم ووضع عليه حصباء»، ولأنّ ذلك أثبت له وأبعد لدروسه، وأمنع لترابه من أن تذهبه الرّياح‏.‏

قال الشّافعيّة‏:‏ ويحرم رشّه بالماء النّجس، ويكره بماء الورد‏.‏

15 - واختلف الفقهاء في تطيين القبر‏:‏

فذهب الحنفيّة - في المختار - والحنابلة إلى جواز تطيين القبر، ونقل التّرمذيّ عن الشّافعيّ أنّه لا بأس بالتّطيين‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ ولم يذكر ذلك جماهير الأصحاب‏.‏

ودليل الجواز قول القاسم بن محمّد في وصف قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه ‏"‏ مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء ‏"‏‏.‏

وذهب المالكيّة وإمام الحرمين والغزاليّ من الشّافعيّة إلى كراهة تطيين القبر‏.‏

قال الدّسوقيّ‏:‏ أكثر عباراتهم في تطيينه من فوق، ونقل ابن عاشر عن شيخه أنّه يشمل تطيينه ظاهراً وباطناً‏.‏

16 - واتّفق الفقهاء على كراهة تجصيص القبر، لما روى جابر رضي الله تعالى عنه‏:‏ «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يجصّص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه»‏.‏

قال المحلّيّ‏:‏ التّجصيص التّبييض بالجصّ وهو الجير‏.‏

قال عميرة‏:‏ وحكمة النّهي التّزيين، وزاد إضاعة المال على غير غرض شرعيّ‏.‏

17 - وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى كراهة البناء على القبر في الجملة، لحديث جابر‏:‏ «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يجصّص القبر وأن يبنى عليه»‏.‏ وسواء في البناء بناء قبّة أم بيت أم غيرهما‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ يحرم لو للزّينة، ويكره لو للإحكام بعد الدّفن‏.‏

وفي الإمداد من كتب الحنفيّة‏:‏ واليوم اعتادوا التّسنيم باللّبن صيانةً للقبر عن النّبش ورأوا ذلك حسناً، وقال عبد اللّه بن مسعود‏:‏ ما رأى المسلمون حسناً فهو عند اللّه حسن‏.‏ ونصّ المالكيّة والشّافعيّة على حرمة البناء في المقبرة المسبّلة ووجوب هدمه‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ إلاّ إذا كان يسيراً للتّمييز‏.‏

كما صرّح المالكيّة بحرمة تحويز القبر - بأن يبنى حوله حيطان تحدق به - ووجوب هدم ذلك فيما إذا بوهي بالبناء، أو صار مأوىً لأهل الفساد، أو في ملك الغير بغير إذنه، قال الدّسوقيّ‏:‏ البناء على القبر أو حوله في الأراضي الثّلاثة - وهي المملوكة له ولغيره بإذن والموات - حرام عند قصد المباهاة وجائز عند قصد التّمييز وإن خلا عن ذلك كره‏.‏

وعن أحمد روايتان في البناء في المقبرة المسبّلة‏:‏

رواية بالكراهة الشّديدة، لأنّه تضييق بلا فائدة واستعمال للمسبّلة فيما لم توضع له‏.‏ ورواية بالمنع، صوّبها البهوتيّ قائلاً‏:‏ المنقول في هذا ما سأله أبو طالب عمّن اتّخذ حجرةً في المقبرة، قال‏:‏ لا يدفن فيها، والمراد لا يختصّ به وهو كغيره‏.‏

وقال الشّيخ تقيّ الدّين‏:‏ من بنى ما يختصّ به فيها فهو غاصب‏.‏

وكره أحمد الفسطاط والخيمة على القبر، لأنّ أبا هريرة أوصى حين حضره الموت أن لا تضربوا عليّ فسطاطاً‏.‏

وقال البخاريّ في صحيحه ورأى ابن عمر فسطاطاً على قبر عبد الرّحمن فقال‏:‏ انزعه يا غلام فإنّما يظلّه عمله‏.‏

ط - تعليم القبر والكتابة عليه‏:‏

18 - اختلف الفقهاء في تعليم القبر‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى جواز تعليم القبر بحجر أو خشبة أو نحوهما، لما روي أنّه‏:‏ «لمّا مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته، فدفن فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجلاً أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمله، فقام إليها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعيه فحملها فوضعها عند رأسه، وقال‏:‏ أتعلّم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي»‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يندب تعليم القبر بأن يوضع عند رأسه حجر أو خشبة ونحوهما، قال الماورديّ‏:‏ وكذا عند رجليه‏.‏

19 - واختلف الفقهاء أيضاً في الكتابة على القبر، فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى كراهة الكتابة على القبر مطلقاً لحديث جابر قال‏:‏ «نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يجصّص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه وأن يكتب عليه»‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ وإن بوهي بها حرم‏.‏

وقال الدّردير‏:‏ النّقش مكروه ولو قرآناً، وينبغي الحرمة لأنّه يؤدّي إلى امتهانه‏.‏

وذهب الحنفيّة والسّبكيّ من الشّافعيّة إلى أنّه لا بأس بالكتابة إن احتيج إليها حتّى لا يذهب الأثر ولا يمتهن‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ لأنّ النّهي عنها وإن صحّ فقد وجد الإجماع العمليّ بها، فقد أخرج الحاكم النّهي عنها من طرق ثمّ قال هذه الأسانيد صحيحة وليس العمل عليها فإنّ أئمّة المسلمين من المشرق إلى المغرب مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذ به الخلف عن السّلف، ويتقوّى بما ورد أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حمل حجراً فوضعها عند رأس عثمان بن مظعون وقال‏:‏ «أتعلّم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي»، فإنّ الكتابة طريق إلى تعرّف القبر بها، نعم يظهر أنّ محلّ هذا الإجماع العمليّ على الرّخصة فيها ما إذا كانت الحاجة داعيةً إليه في الجملة، حتّى يكره كتابة شيء عليه من القرآن أو الشّعر أو إطراء مدح له ونحو ذلك‏.‏

ي - زيارة القبور‏:‏

20 - اتّفق الفقهاء على أنّه يندب زيارة القبور للرّجال، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّها تذكّر الآخرة»‏.‏

وقد سبق تفصيل أحكام الزّيارة في مصطلح‏:‏ ‏(‏زيارة القبور ف 1‏)‏، كما سبق تفصيل أحكام زيارة النّبيّ صلى الله عليه وسلم في مصطلح‏:‏ ‏(‏زيارة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ف 2‏)‏‏.‏

ك - نبش القبر‏:‏

21 - اتّفق الفقهاء على منع نبش القبر إلاّ لعذر وغرض صحيح، واتّفقوا على أنّ من الأعذار الّتي تجيز نبش القبر كون الأرض مغصوبةً أو الكفن مغصوباً أو سقط مال في القبر، وعندهم تفصيل في هذه الأعذار‏.‏

واختلفوا فيما يعدّ عذراً وغرضاً صحيحاً سوى هذه الأعذار، وتفصيل ذلك فيما يلي‏:‏

فمن العذر عند الحنفيّة تعلّق حقّ الآدميّ به كأن تكون الأرض مغصوبةً أو أخذت بشفعة أو سقط في القبر متاع أو كفن بثوب مغصوب، أو دفن معه مال، قالوا‏:‏ ولو كان المال درهماً، أمّا لو تعلّق به حقّ اللّه تعالى كما إذا دفن بلا غسل أو صلاة أو وضع على غير يمينه أو إلى غير القبلة فإنّه لا ينبش بعد إهالة التّراب‏.‏

واستثنى المالكيّة من منع النّبش خمس مسائل‏:‏

الأولى‏:‏ أن يكون الكفن مغصوباً سواء من الميّت أو غيره فينبش إن أبى ربّه أخذ قيمته ولم يتغيّر الميّت‏.‏

الثّانية‏:‏ إذا دفن في ملك غيره بدون إذنه، وعندهم في ذلك أقوال‏.‏

قال ابن رشد‏:‏ للمالك إخراجه مطلقاً سواء طال الزّمن أم لا‏.‏

وقال اللّخميّ‏:‏ له إخراجه إن كان بالفور، وأمّا مع الطّول فليس له إخراجه وجبر على أخذ القيمة‏.‏

وقال ابن أبي زيد‏:‏ إن كان بالقرب فله إخراجه، وإن طال فله الانتفاع بظاهر الأرض ولا يخرجه‏.‏

الثّالثة‏:‏ إن نسي معه مال لغيره ولو قلّ، أو له وشحّ الوارث وكان له بال إن لم يتغيّر الميّت، وإلاّ أجبر غير الوارث على أخذ القيمة أو المثل ولا شيء للوارث‏.‏

الرّابعة‏:‏ عند الضّرورة في دفن غيره فينبش‏.‏

الخامسة‏:‏ عند إرادة نقله عند توافر شروط النّقل‏.‏

وأجاز الشّافعيّة النّبش للضّرورة فقط، ومن الضّرورة عندهم‏:‏ لو دفن بلا غسل فيجب نبشه تداركاً لغسله الواجب ما لم يتغيّر‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ وللصّلاة عليه، فإن تغيّر وخشي فساده لم يجز نبشه لما فيه من انتهاك حرمته‏.‏

ولو دفن في أرض أو ثوب مغصوبين، فيجب نبشه وإن تغيّر ليردّ كلّ على صاحبه إذا لم يرض ببقائه، وفي الثّوب وجه أنّه لا يجوز النّبش لردّه لأنّه كالتّالف فيعطى صاحبه قيمته‏.‏ ولو وقع في القبر مال فيجب نبشه لأخذه، قال النّوويّ‏:‏ هكذا أطلقه أصحابنا، وقيّد أبو إسحاق الشّيرازيّ الوجوب بالطّلب فعند عدم الطّلب يجوز ولا يجب، قال القليوبيّ‏:‏ وهو المعتمد، ولو بلع مال نفسه حرم نبشه وشقّ جوفه لإخراجه ولو أكثر من الثّلث ولو في مرض موته، أو مال غيره فكذلك إن لم يطلبه صاحبه أو ضمنوه لصاحبه وإلاّ وجب‏.‏

ولو دفن لغير القبلة فيجب نبشه وتوجيهه للقبلة ما لم يتغيّر‏.‏

ولو دفنت امرأة حامل رجي حياة جنينها فتنبش ويشقّ جوفها‏.‏

ولو دفن في مسجد فينبش مطلقاً ويخرج منه‏.‏

وأجاز الحنابلة نبش القبر لتدارك الواجب وللغرض الصّحيح‏.‏

فمن النّبش لتدارك الواجب ما لو دفن قبل الغسل فيلزم نبشه ويغسّل تداركاً لواجب الغسل، ما لم يخف تفسّخه أو تغيّره‏.‏

ولو دفن لغير القبلة أيضاً ينبش ويوجّه إليها تداركاً لذلك الواجب‏.‏

ولو دفن قبل الصّلاة عليه ينبش ويصلّى عليه، ليوجد شرط الصّلاة وهو عدم الحائل، وقال ابن شهاب والقاضي‏:‏ لا ينبش ويصلّى على القبر لإمكانها عليه‏.‏

ولو دفن قبل تكفينه يخرج ويكفّن، لما روى سعيد عن شريح بن عبيد الحضرميّ أنّ رجالاً قبروا صاحباً لهم لم يغسّلوه، ولم يجدوا له كفناً، ثمّ لقوا معاذ بن جبل فأخبروه فأمرهم أن يخرجوه من قبره ثمّ غسّل وكفّن وحنّط وصلّي عليه، ولو كفّن بحرير هل ينبش ‏؟‏ فيه وجهان‏:‏ قال في الإنصاف‏:‏ الأولى عدم نبشه احتراماً له‏.‏

ومن النّبش للغرض الصّحيح تحسين الكفن، لحديث جابر قال‏:‏ «أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول بعدما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه»، ودفنه في بقعة خير من بقعته الّتي دفن فيها فيجوز نبشه لذلك، ولمجاورة صالح لتعود عليه بركته وكإفراده في قبر عمّن دفن معه، لقول جابر‏:‏ دفن مع أبي رجل فلم تطب نفسي حتّى أخرجته، فجعلته في قبر على حدة وفي رواية كان أبي أوّل قتيل، يعني يوم أحد، ودفن معه آخر في قبر، ثمّ لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر، فاستخرجته بعد ستّة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته هنيّة غير أذنه‏.‏

ولو دفن في مسجد ونحوه كمدرسة ورباط فينبش ويخرج تداركاً للعمل بشرط الواقف لتعيين الواقف الجهة لغير ذلك‏.‏

وإن دفن في ملك غيره بلا إذن ربّه، فللمالك إلزام دافنه بنقله ليفرغ له ملكه عمّا شغله به بغير حقّ، قالوا‏:‏ والأولى للمالك تركه حتّى يبلى لما فيه من هتك حرمته‏.‏

وإن وقع في القبر ما له قيمة عرفاً أو رماه ربّه فيه نبش وأخذ ذلك منه، لما روي أنّ المغيرة بن شعبة وضع خاتمه في قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثمّ قال خاتمي، فدخل وأخذه، وكان يقول‏:‏ أنا أقربكم عهداً برسول اللّه صلى الله عليه وسلم، قال أحمد‏:‏ إذا نسي الحفّار مسحاته في القبر جاز أن ينبش‏.‏

وإن كفّن بثوب غصب وطلبه ربّه لم ينبش وغرم ذلك من تركته، لإمكان دفع الضّرر مع عدم هتك حرمته، فإن تعذّر الغرم لعدم تركة نبش القبر وأخذ الكفن إن لم يتبرّع وارث أو غيره ببذل قيمة الكفن وإن بلع مال غيره بغير إذنه وكان ممّا تبقى ماليّته كخاتم وطلبه ربّه لم ينبش وغرم ذلك من تركته صوناً لحرمته مع عدم الضّرر، فإن تعذّر الغرم نبش القبر وشقّ جوفه إن لم يتبرّع وارث أو غيره ببذل قيمة المال لربّه وإلاّ فلا ينبش، وإن بلع مال الغير بإذن ربّه أخذ إذا بلي الميّت، لأنّ مالكه هو المسلّط له على ماله بالإذن له، ولا يعرض للميّت قبل أن يبلى‏.‏

وإن بلع مال نفسه لم ينبش قبل أن يبلى، لأنّ ذلك استهلاك لمال نفسه في حياته أشبه ما لو أتلفه إلاّ أن يكون عليه دين فينبش ويشقّ جوفه فيخرج ويوفّى دينه، لما في ذلك من المبادرة إلى تبرئة ذمّته من الدّين‏.‏

ل - قراءة القرآن على القبر‏:‏

22 - اختلف الفقهاء في قراءة القرآن على القبر‏:‏

فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا تكره قراءة القرآن على القبر بل تستحبّ، لما روى أنس مرفوعاً قال‏:‏ «من دخل المقابر فقرأ فيها يس خفّف عنهم يومئذ، وكان له بعددهم حسنات»، وصحّ عن ابن عمر أنّه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها‏.‏

قال الشّافعيّة‏:‏ يقرأ شيئاً من القرآن‏.‏

قال القليوبيّ‏:‏ وممّا ورد عن السّلف أنّه من قرأ سورة الإخلاص إحدى عشرة مرّةً وأهدى ثوابها إلى الجبّانة غفر له ذنوب بعدد الموتى فيها‏.‏

وروى السّلف عن عليّ رضي الله عنه أنّه يعطى له من الأجر بعدد الأموات‏.‏

قال ابن عابدين نقلاً عن شرح اللّباب‏:‏ ويقرأ من القرآن ما تيسّرله من الفاتحة وأوّل البقرة إلى المفلحون وآية الكرسيّ، وآمن الرّسول، وسورة يس، وتبارك الملك، وسورة التّكاثر والإخلاص اثنتي عشرة مرّةً أو إحدى عشرة أو سبعاً أو ثلاثاً‏.‏

وقال البهوتيّ‏:‏ قال السّامريّ يستحبّ أن يقرأ عند رأس القبر بفاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمتها‏.‏

وصرّح الحصكفيّ بأنّه لا يكره إجلاس القارئين عند القبر، قال‏:‏ وهو المختار‏.‏

وذهب المالكيّة‏:‏ إلى كراهة القراءة على القبر، لأنّه ليس من عمل السّلف، قال الدّردير‏:‏ المتأخّرون على أنّه لا بأس بقراءة القرآن والذّكر وجعل ثوابه للميّت ويحصل له الأجر إن شاء اللّه‏.‏

لكن رجّح الدّسوقيّ الكراهة مطلقاً‏.‏

م - الصّلاة على القبر‏:‏

23 - ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز الصّلاة على قبر الميّت في الجملة، على تفصيل وخلاف ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏جنائز ف 37‏)‏‏.‏

ن - تقبيل القبر واستلامه‏:‏

24 - اختلف الفقهاء في حكم تقبيل القبر واستلامه‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى منع ذلك وعدّوه من البدع‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى الكراهة‏.‏

قال الشّافعيّة‏:‏ إن قصد بتقبيل الأضرحة التّبرّك لم يكره‏.‏

وقال البهوتيّ من الحنابلة‏:‏ وذلك كلّه من البدع‏.‏

قَبْض

التّعريف

1 - من معاني القبض لغةً‏:‏ تناول الشّيء بجميع الكفّ، ومنه قبض السّيف وغيره، ويقال‏:‏ قبض المال، أي أخذه، وقبض اليد على الشّيء، أي جمعها بعد تناوله‏.‏

ومن معانيه‏:‏ الإمساك عن الشّيء، يقال‏:‏ قبض يده عن الشّيء أي جمعها قبل تناوله، وذلك إمساك عنه، ومنه قيل لإمساك اليد عن البذل والعطاء‏:‏ قبض‏.‏

ويستعار القبض لتحصيل الشّيء وإن لم يكن فيه مراعاة الكفّ، نحو‏:‏ قبضت الدّار والأرض من فلان‏:‏ أي حزتها، ويقال‏:‏ هذا الشّيء في قبضة فلان، أي في ملكه وتصرّفه، وقد يكنّى بالقبض عن الموت، فيقال‏:‏ قبض فلان، أي مات، فهو مقبوض‏.‏ قال العزّ بن عبد السّلام‏:‏ وأمّا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً ‏}‏ فإنّه تجوز بالقبض عن الإعدام، لأنّ المقبوض من مكان يخلو منه محلّه كما يخلو المحلّ عن الشّيء إذا عدم‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو حيازة الشّيء والتّمكّن منه، سواء أكان ممّا يمكن تناوله باليد أم لم يمكن، قال الكاسانيّ‏:‏ معنى القبض هو التّمكين والتّخلّي وارتفاع الموانع عرفاً وعادةً حقيقةً، وقال العزّ بن عبد السّلام‏:‏ قولهم قبضت الدّار والأرض والعبد والبعير يريدون بذلك الاستيلاء والتّمكّن من التّصرّف‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - النّقد‏:‏

2 - يطلق الفقهاء كلمة ‏"‏ النّقد ‏"‏ بمعنى الإقباض والتّسليم إذا كان الشّيء المعطى نقوداً، ففي المصباح المنير‏:‏ نقدت الرّجل الدّراهم، بمعنى أعطيته‏.‏‏.‏‏.‏ فانتقدها، أي قبضها‏.‏ وقال القاضي عياض‏:‏ النّقد خلاف الدّين والقرض‏.‏

وإنّما سمّي إقباض الدّراهم نقداً لتضمّنه - في الأصل - تمييزها وكشف حالها في الجودة وإخراج الزّيف منها من قبل المعطي والآخذ‏.‏

أمّا ‏"‏ بيع النّقد ‏"‏ فهو - كما قال ابن جزيّ - أن يعجّل الثّمن والمثمون‏.‏

فكلّ نقد قبض ولا عكس‏.‏

ب - الحيازة‏:‏

3 - يقول أهل اللّغة‏:‏ كلّ من ضمّ إلى نفسه شيئاً فقد حازه حوزاً وحيازةً‏.‏

أمّا في الاصطلاح، فأكثر ما تستعمل هذه الكلمة في مذهب المالكيّة، وإنّهم ليستعملونها في كتبهم بمعنيين أحدهما أعمّ من الآخر‏:‏

أ - أمّا بالمعنى الأعمّ فهي إثبات اليد على الشّيء والتّمكّن منه، وهو نفس معنى القبض عند سائر الفقهاء‏.‏

قال القيروانيّ‏:‏ لا تتمّ هبة ولا صدقة ولا حبس إلاّ بالحيازة، أي إلاّ بالقبض، وقال التّسوّليّ‏:‏ الحوز وضع اليد على الشّيء المحوز، وقال الحسن بن رحّال‏:‏ الحوز والقبض شيء واحد‏.‏

ب - أمّا الحيازة بالمعنى الأخصّ عند المالكيّة فعرّفها أبو الحسن المالكيّ بقوله‏:‏ الحيازة هي وضع اليد والتّصرّف في الشّيء المحوز كتصرّف المالك في ملكه بالبناء والغرس والهدم وغيره من وجوه التّصرّف، وقال الحطّاب‏:‏ الحيازة تكون بثلاثة أشياء، أضعفها‏:‏ السّكنى والازدراع، ويليها‏:‏ الهدم والبنيان والغرس والاستغلال، ويليها‏:‏ التّفويت بالبيع والهبة والصّدقة والنّحلة والعتق والكتابة والتّدبير والوطء وما أشبه ذلك ممّا لا يفعله الرّجل إلاّ في ماله‏.‏

والقبض مرادف للحيازة بالمعنى الأعمّ‏.‏

ج - اليد‏:‏

4 - يستعمل الفقهاء كلمة ‏"‏ اليد ‏"‏ بمعنى حوز الشّيء والمكنة من استعماله والانتفاع به، فيقولون‏:‏ بيّنة ذي اليد في النّتاج مقدّمة على بيّنة الخارج، ويريدون بذي اليد الحائز المنتفع، جاء في المدوّنة‏:‏ قلت‏:‏ أرأيت لو أنّ سلعةً في يدي ادّعى رجل أنّها له، وأقام البيّنة، وادّعيت أنّها لي، وهي في يدي، وأقمت البيّنة ‏؟‏ قال لي مالك‏:‏ هي للّذي في يده إذا تكافأت البيّنتان‏.‏

والصّلة أنّ اليد تدلّ على القبض‏.‏